الاستعانة بخبرات شركة ”فاكتوم آرتي“ في التقنيات الحديثة لتنفيذ نسخ طبق الأصل من مقابر البر الغربي
فى 4 نوفمبر 1922، إكتشف خبير الآثار البريطاني “هوارد كارتر” أدلة على وجود مقبرة في وادي الملوك بالبر الغربي للنيل في مدينة الأقصر. فقام كارتر بتمهيد الطريق لباب المقبرة، و تم تصوير الباب المختوم للمقبرة في 25 نوفمبر. وانتشرت الأخبار بسرعة، فأثار الاكتشاف انتباه العالم. وفي اليوم التالي فُتح مدخل المقبرة الذي – كما قال كارتر – “كشف عن أشياء رائعة”!
إستغرق تسجيل كل محتويات مدخل المقبرة ثلاثة أشهر – حتى 26 فبراير 1923 – ثم بدأ الاستعداد لفتح الباب التالي… المؤدي لغرفة الدفن. وفي غضون دقائق من فتح ثقب في الجدار، أيقن هوارد كارتر ومعه مموله الارستقراطي البريطاني “لورد كارنارفون” أنهما اكتشفا غرفة دفن ملكية سليمة لم تُمس. منذ تلك اللحظة، سيطر الفرعون الشاب “توت عنخ آمون” على خيال الملايين حول العالم.

نسخه من التابوت وحجرة الدفن لمقبرة توت عنخ آمون في مدريد قبل إرسالها كهدية لشعب مصر.تصوير اليشيا جويرانو – فاكتوم ارتى
واليوم، تعد المقبرة بكنوزها من بين التحف الثقافية الأكثر شهرة في العالم، ولا تزال القصص التي تحيط بها وبصاحبها تلهم الأجيال بما تحمله من غموض وسحر.
تجذب كنوز مقبرة توت عنخ آمون الآلاف من الزوار كل عام إلى المتحف المصري ووادي الملوك والمعارض المختلفة التي تجوب العالم ببعض القطع الأصلية أو حتى المستنسخة منها. واحتفالاً بالذكرى التسعين لاكتشاف المقبرة الشهيرة، قامت وزارة السياحة المصرية بعرض نسخة طبق الأصل لغرفة الدفن – نفذتها شركة “فاكتوم آرتي” الإسبانية – في فندق “كونراد”، وذلك في إطار مبادرة للحفاظ على مقابر الأقصر باستخدام التقنيات الحديثة. وتقوم المبادرة على تنفيذ نسخ طبق الأصل من للمقابر الهامة المغلقة أمام الجمهور بهدف الحفاظ عليها.
بدأت الأعمال الخاصة بإستنساخ مقبرة توت عنخ آمون عام 1988 بمبادرة من جمعية أصدقاء المقابر الملكية في مصر (من خلال رئيسها الدكتور “يتودور أبت” وأستاذ المصريات المرموق “إريك هورنونج”) بدعم من المجلس الأعلى للآثار (و الذي أصبح وزارة الآثار في الوقت الحالي) الذي دعم منذ وقت طويل فكرة بناء النماذج المقلدة للمقابر المغلقة أمام الجمهور، في مثال رائع لتضافر جهود السياسيين والأثريين مع الخبراء والمتخصصين، وإستخدام التقنيات الحديثة لتحقيق هدف نبيل. وكان قد تم الاستعانة بخبرات شركة “فاكتوم آرتي” بدءاً من عام 2001 في استنساخ مقبرة سيتي الأول في البر الغربي، بهدف توفير تمويل يسمح بالحفاظ على تلك الكنوز التراثية للأجيال القادمة. حيث يتم الاعتماد على الإيرادات التي تدرها النسخ المطابقة للمقابر في تمويل عمليات توثيق المقابر الملكية الأخرى، التي قد تكون أقل شهرة ولكنها لا تقل عنها أهمية.

طباعة نسخ جدران جزء من المقبره على “جلد مرن” فى ماكينات النسخ المسطحة. تصوير جابريل سكاربا – فاكتوم ارتى
في ربيع عام 2009 تم توثيق غرفة الدفن والتابوت الخاصين بمقبرة “توت عنخ آمون” بتقنية الأبعاد الثلاثية، وبألوان ودرجة وضوح لم يسبق الوصول إليهما. واليوم، تم بالفعل الانتهاء من جميع مراحل العمل، واكتمل الاستنساخ الدقيق للمقبرة. وتسمح البيانات الناتجة عن عملية المسح الرقمي للأكاديميين والباحثين بدراسة المقبرة بقدر كبير من التفصيل، وتمكنهم في الوقت ذاته من فهم الموقع الأثري بطريقة أكثر عمقًا وأكثر موضوعية. وذلك بالإضافة إلى استفادة وزارة الآثار مما تدره النماذج المستنسخة من دخل بالطبع. وقد تولت شركة “فاكتوم آرتي” جميع مراحل هذا العمل، من تصميم المعدات المتخصصة – أو تعديلها لتناسب العمل- إلى تصميم البرامج، وانتهاء بتطوير خامات جديدة وإحياء الخامات القديمة.
إن عملية توثيق أي أثر تمثل تحدياً كبيراً. ومقبرة “توت عنخ آمون” بشكل خاص مثلت تحدياً أكبر نظراً لكونها صغيرة الحجم، ووجود التابوت وغطاءه بها يجعل المساحة الباقية لا تتعدى 126 سم – في أضيق نقطة تفصل بين التابوت والجدار، مما يُصعب العمل داخل المقبرة. وللتغلب على هذه المعوقات، تم إجراء عمليات مسح وتوثيق المقبرة استخدام تقنيات تصوير وتوثيق آمنة تماماً لا تحتاج للمس الأثر، ودون الاضطرار لإغلاق المقبرة أو إيقاف تدفق الزائرين عليها.
قبل ثورة 25 يناير، كانت المقبرة تستقبل في المتوسط 1000 زائر يومياً، وهو ما يهدد سلامة المقبرة، بسبب الرطوبة ودرجة الحرارة والغبار. وقد أعرب معظم الزائرين عن سعادتهم بفكرة استنساخ المقبرة حفاظاً عليها، وعبروا عن تخوفهم من أن يتسببوا في أية آثار سلبية عليها.
والحقيقة أن مخاوفهم في محلها: فتأثير اختلاف درجة الحرارة وتذبذب مستوى الرطوبة في الهواء والغبار يعرض المقبرة ومحتوياتها للتلف، كما أن المعالجات والترميمات السابقة التي أجريت عليها تسببت في مشاكل أخرى، مثل تغير الملامح الخارجية للأسطح. حيث يمكن ملاحظة سوء حالة جدران المقبرة وتدهورها وذلك بالعين المجردة في الصور الفوتوغرافية للمقبرة. لقد أتقن العمال والفنانين الفراعنة عملهم، فاحتفظت المقبرة بسلامتها وجمالها طيلة 3245 سنة. ولكن في تسعين سنة فقط – منذ اكتشافها وحتى اليوم- أصابها الكثير من التحلل والتلف.
وفي الفترة القادمة، سيقوم فريق العمل المصري بتوثيق مقبرة سيتي الأول – وهي مقبرة بالغة الضخامة والأهمية – ومقبرة الملكة الجميلة نفرتاي. وسوف تُستخدم نفس التقنيات في توثيق جميع الأجزاء التي تم اقتطاعها من المقابر في الماضي – والتي تنتشر اليوم في المتاحف والمجموعات الخاصة في جميع أنحاء العالم – وإعادة إدماجها للأصل في النماذج الرقمية حتى تكون النماذج المستنسخة أكثر اكتمالاً، ويسمح بدراسة الأثر في مجمله بشكل يسير. وستُشكل تلك النسخ المطابقة للمقابر الأصلية نواة لموقع سياحي جديد تتم إقامته بالقرب من وادي الملوك، وبالقرب من المقابر المغلقة – نظراً لحالتها الحرجة. بهذه الطريقة، يُمكن حفظها للأجيال القادمة، مع الاستمرار في توليد الدخل للدولة من عائد زيارة الموقع الجديد. الأمر الذي سيساعد على توفير الموارد اللازمة لتوثيق المزيد من المقابر الأقل شهرة.

اختيار الألوان المطابقة
والآن، وبعد أن إكتمل العمل في نسخة غرفة الدفن لمقبرة توت عنخ آمون (بما فيها التابوت وغطاءه) وعُرضت بالفعل على الشعب المصري، فإن المرحلة المقبلة ستكون إعادة بنائها بالكامل بالقرب من المقبرة الأصلية. وهو ما ييسمح لزوار المقبرة الأصلية وزوار النسخة المطابقة بتبادل الرأي ووجهات النظر. ويمكن تكرار نفس التجربة في المقابر الملكية الهامة الأخرى – كمقبرة نفرتاري وسيتي الأول – وذلك لفترات محددة، تغلق بعدها المقابر الأصلية، ويُكتفي بفتح المقابر المستنسخة للزائرين.
ومع اقتراب هذا المشروع المبتكر من نهايته، لا يسعنا القول إلا أنه بتضافر الجهود وبالتعاون والعمل معاً، سنتمكن ولا شك من الحفاظ على تلك الكنوز للإنسانية وللأجيال القادمة.
الأكثر قراءة

كان الشعر للمصري القديم جزءاً ً من هويته، وعنوانا لمستواه االجتماعي وانتمائه الديني وحتى مهنته، وكان المصريون يبدعون فى ابتكار تصفيفات للشعر الطبيعى والمستعار للنساء والرجال على حد سواء.

يتم تصوير الفراعنة دائماً كقادة عظام ومحاربين لا يهابون الموت، ودائمى التعبد للألهة ، لكن الحقيقة قد تكون ابعد كثيراً عما عرفه الناس واعتقدوه. الباحث جارى شو يبحر بنا فى الجانب الإنسانى لفرعون مصر،ويرسم لنا صورة ليوم عادى فى حياة احد فراعنة الدولة الحديثة

هل تعلم ان يوماً ما كانت الذبابة تعد رمزاً للشجاعة والمثابرة؟ حتى ان المصرى القديم صنع منها قلادة ونيشاناً؟ او ان مسحوق المومياء كان مسكناً كالأسبرين ووصفة سحرية استخدمها الأوروبيون الأثرياء لعلاج العديد من الأمراض والعلل؟

المقابر الفرعونية، بما احتوته من رسوم ونقوش، تعرفنا بزمان سادت فيه ثقافة وحضارة كانت تقدس الترابط العائلى وحسن تربية الأبناء. فمن نصائح الحكيم بتاح حتب لإبنه المقدم على الزواج، الى شكل البيت العائلى المصرى، يمكننا التعرف على الكثير من ملامح الحياة العائلية فى مصر الفرعونية.

اخبرتنا النصوص المصرية القديمة ورسوم جدران المقابر الفرعونية بمعلومات كثيرة عن نوعية الأطعمة والمشروبات التى عرفها المصرى القديم. كما قاومت بعض بقايا الحبوب والمأكولات التى عُثر عليها عوامل الزمن وبقيت لتخبرنا قليلاً عن فنون الطهى عند الفراعنة.

آدم لو مؤسس شركة (فاكتوم آرتى) بمدريد عام 2001. منذ ذلك الحين والشركة في نمو حتى أصبحت ورشة عمل تضم أكثر من أربعين فنانا تقنيا وفيزيائيا يعملون على حفظ التراث الثقافي باستخدام التكنولوجيا الرقمية. تعمل فاكتوم آرتى مع المتاحف الرائدة فى العالم بما فى ذلك متحف اللوفر (باريس)، متحف الآثار (مدريد)، متحف برادو (مدريد)، المتحف البريطانى (لندن)، بيرجامون (برلين)، متحف الفاتيكان، مجموعة الملكة (وندسور)، ومؤسسات ثقافية أخرى عديدة.

چيمز ماكميلان-سكوت أستاذ زائر فى كلية IE لإدارة الأعمال بأسبانيا ، ويعمل مع شركاء له فى أسبانيا والشرق الأوسط لتقديم الخدمات الاستشارية المالية، أصبح مديراً لمؤسسة فاكتوم آرتى لحفظ التراث الثقافي باستخدام التكنولوجيا الرقمية، منذ عام 2012 مع آدم لو مؤسس الشركة.