هل تعلم ان يوماً ما كانت الذبابة تعد رمزاً للشجاعة والمثابرة؟ حتى ان المصرى القديم صنع منها قلادة ونيشاناً؟ او ان مسحوق المومياء كان مسكناً كالأسبرين ووصفة سحرية استخدمها الأوروبيون الأثرياء لعلاج العديد من الأمراض والعلل؟
«نوتة» القدماء

نص يسجل حضور وغياب العمال خلال العام الأربعين من حكم رمسيس الثانى، ويحدد النص سبب الغياب، والذي غالباً يرجع لمرض العامل أو مصاحبة رئيسه فى مهمة خارجية أو انشغاله فى ظروف شخصية مثل تحنيط أحد أفراد عائلته أو تخمير البيرة.
من مقتنيات المتحف EA 5634البريطانى، قطعة رقم
فى عالم اليوم، من السهل انتزاع ورقة وقلم لتدوين بعض الأفكار أو كتابة قائمة بالأشياء المراد القيام بها أو ربما لرسم شئ ما بشكل سريع، خاصة إذا كنت تجيد الرسم. اما إذا كنت مهندساً معمارياً فبإمكانك استخدام جهاز كمبيوتر محمول لعمل «اسكتشاتك» الهندسية. ولكن ماذا لو كنت مصرى قديم؟
فى مصر القديمة كان البردى مكلفاً للغاية، بينما كان كسر الفخار، أو الحجر الجيرى، متوفراُ بكثرة ودون تكلفة، والمعروف اليوم بكلمة «أوستراكا.» وكان القدماء يعتمدون عليه لأغراض الكتابة الغير رسمية. ويشير علماء المصريات أن كلمة «أوستراكا» مشتقه من كلمة «أوستراكون،» والتي تعني وعاء من الفخار.
ونظراً لطبيعة مادة الفخار المقاومه للزمن، بقى الكثير من قطع كسر الفخار والحجر الجيرى مسجلاً عليها مجموعة متنوعة من الموضوعات والرسومات، مثل النصوص الإدارية والشخصية، والرسوم الأولية لجداريات المقابر، وحتى الكاريكاتير.
نصائح مفيدة لمومياء أبدية

اغطية اصابع من الذهب، وجدت في مقبرة توت عنخ امون
من مقتنيات المتحف المصري بالقاهرة
كان الهدف من التحنيط هو الحفاظ على الجسد حتى تتعرف عليه الروح وتدخله لتبعث فيه الحياة مرة اخرى. وقد قام المصريون القدماء باستخدام بعض الحيل للتغلب على تكسر بعض الأجزاء الرقيقة، كوضع بصلتين صغيرتين فى تجويف العينين اللتان تجفان بفعل الملح المستخدم للتحنيط. فتقوم البصلة الصغيرة بملئ تجويف العين ويتم تغطيتها بالجفن العلوى مما يحمى الجفن من الإنكماش أو التكسر، ليصبح الوجه مشابهاً للشكل الأصلى. الأنف أيضاً كان يخشى عليه من التكسر، وكان الحل هو حشو فتحتى الأنف بثمرتى جوز للحفاظ على شكلها الأصلي . أما أصابع اليدين والقدمين التى كانت تصبح جافة وهشة بفعل التحنيط مما كان يعرضها للكسر بسهولة، فكان الحل الذى ابتكره القدماء هو أن تغطى اصابع المومياء برقائق من الذهب، خاصة مومياوات الأثرياء وعلية القوم.
أكوام من… الأعضاء

رمسيس الثالث يحصر كومة من الأعضاء الذكرية للقتلى فى صفوف الأعداء بعد معركة حربية معهم. النقش من معبد.هابو بالأقصر
تصوير. ب. والاس
كثيراً ما حارب المصريون القدماء، وقاموا بالعديد من البعثات العسكرية خارج البلاد. ولحصر وإثبات أعداد القتلى فى صفوف الأعداءفي أغلب الظن لجئوا إلى قطع أجزاء من جثث الأعداء كالرؤوس أوالأيدى والعودة بها إلى الملك. وفى أحيان أخرى، كان الطريق الأسهل هو قطع العضو ُ الذكرى للقتلى من الأعداء. ربما كانت فكرة قاتمة، خاصة إنها كانت في نفس الوقت تعنى الإنتقاص من رجولة الأعداء. وتشير نقوش جدران معبد هابو فى الأقصر إلى كومة كبيرة من الأعضاء الذكرية للقتلى من جنود الأعداء، بجوارها كومة من الأيادي. على الرغم من بشاعة هذه المعلومة إلا إنها في الأرجح حقيقية، حيث تم العثور مؤخراً على عظام ستة عشر يد يمنى فى منطقة تل الضبعة فى الدلتا التى إتخذها الهكسوس محافظة لهم أثناء حكمهم للبلاد.
شجاعة الذباب

الذبابات الذهبية للملكة “اياح حتب” أحد أشهر نماذج قلادة ذبابات الشجاعة، والتي كانت أرقى في شكلها من الذباب الحقيقة.
من مقتنيلت متحف الأقصر
كثيراً ما يعانى المصريون فى الصيف من إنتشار الذباب البغيض، ومثلهم عانی المصريون القدماء من الذباب، الذى كان يطلق عليه «عف.» وعلى الرغم من ضيقهم من الذباب، فقد تمكنوا من رؤية الجانب الإيجابى فى الطبيعة الكريهة للذبابة، ففى إصرارها ومثابرتها للوصول إلى هدفها، كانت كالجندى فى المعركة، لا تستلم إلا عند الموت ولهذا، فلقد إعتبرها المصرى القديم رمزاً للشجاعة والمثابرة، وصنع قلادة على شكل ذبابة من الذهب تمنح فى المناسبات الهامة لمن حقق إنتصار عسكرى وأبرز شجاعة في وجه العدو. ولكن مع الوقت، أصبحت الذبابة الذهبية مثل نيشان يعطى إلى الموظفين الرسميين أثناء الحفلات الكبرى كحفلات التتويج.
الفرعونية اليوم
بعض الكلمات الفرعونية القديمة تعيش إلى اليوم ونستخدمها جميعاً فى احاديثنا اليومية، خاصة فى الريف الذى لم يتأثر كثيراً بالأجناس المتعددة التى وفدت على مصر. فكلمة «إمبو» التى يتمتم بها اى رضيع طلباً للماء ليست سوى «ام با مو» التى كانت تعني الماء عند المصريين القدماء. كلمات أخرى كثيرة ترجع جذورها للمصرية القديمة. فكلمة «فوطة» فى اللهجة المصرية أصلها ٍ «فوت» فى المصرية القديمة، بينما فى اللغة العربية، الكلمة المستخدمة هي «منشفة.»
بعض أسماء الأشخاص أيضاً لها جذور مصرية قديمة كإسم «بيشوى» وأصله كلمة مصرية قديمة تعنى القدر أو النصيب. وكذلك اسم «سوسن» أو «سوزان» الذى يرجع أصله لكلمة «سشن» وتعنى زهرة اللوتس. وكما إنتقلت الكلمات واللهجات المصرية القديمة عبر الزمن إلى اللهجة المصرية الحديثة، فإن الكثير من تلك الكلمات إنتقل إلى اللغة العربية. فحرف الشين وطريقة كتابته باللغة العربية يشبه كثيراً حرف الشين باللغتين المصرية والقبطية. والكلمة المصرية القديمة «دبت» أصبحت فى القبطية «توبا» وتعنى اليوم «طوبة،» وقد إنتقلت الكلمة نفسها إلى أسبانيا مع الغزو العربى وأصبحت الطوبة فى الأسبانية «ادوبى» وتعنى البناء بالطوب، ومن الأسبانية، إنتقلت الكلمة إلى الإنجليزية.
الجعران وقرص الشمس
يعد الجعران أحد الرموز الأكثر شهرة فى مصر الفرعونية، كانت الأساطير المصرية القديمة تروي أن الخنفساء تلعب دوراّ هاماّ فى البعث بعد الموت وهو من أهم عناصر العقيدة المصرية القديمة، فالمصرى القديم كان يؤمن بأن الجعارين تدفع الشمس عبر السماء خلال النهار وتستمر فی القيام بذلك خلال ساعات الليل لضمان شروقها من جديد. لقد راقب المصرى القديم الكون والمخلوقات المحيطة به بإمعان، ولم يختر الرموز جزافاً، فعندما اختار الجعارين وهى تدفع قرص الشمس رمزاً لميلاد يوم جديد، كان قد لاحظ ان الخنافس تقوم بتشكيل كرات من الروث وتقوم بلفها ودحرجتها من اجل وضع بيضها فيه.
المومياء… طلاء ومسكن ووصفة غذائية سحرية
قبل عصر الأسبرين ومزيلات الإحتقان وأقراص فيتامين سى الفوارة، كان الأوروبيون الأثرياء يحملون معهم دائماً مسحوقاً سحرياً يشفى من جميع الأمراض والعلل… إنه بودرة المومياء.
كان هذا المسحوق السحرى المصنوع من الألف إلى الياء من المومياوات سلعة رائجة أقبل عليها الناس بحرارة خلال القرون الماضية. ولأن المومياوات القديمة لم تكن كافية لتلبية جنون الطلب على المسحوق السحرى، فقد تم استحداث أساليب بديلة لتوفير الكميات اللازمة. فمنذ عام 1200ميلادى ولعدة قرون بعدها كان يتم اللجوء للجثث المجهولة بالأسكندرية ومعالجتها لتصبح جاهزة للسحق وتحويلها لبودرة المومياء.
تذكارات وهدايا مصرية

بائع المومياوات في القرن التاسع عشر
تصوير فيلكس بونفيس
قبل عصرالهدايا الفرعونية المصنوعة فى الصين لم تكن التذكارات المفضلة لزوار مصر فى القرني الثامن والتاسع عشر سوى المومياء… مومياء حقيقية.
ففى عام 3381قال الأب جيرامب لمحمد على باشا أن السائح القادم إلى مصر لا يستطيع العودة إلى بلده “دون أن يحمل مومياء فى يد وتمساح فى اليد الأخرى”. ولإرتفاع الطلب على الموياوات كتذكار للسائحين، حدث أن بيعت إلى سائح فى أسوان مومياء اكتشف فيما بعد إنها جثة مهندس انجليزى لقى حتفه قبلها بعدة سنوات فى مصر.
حفل مومياء؟
عند وصول المومياوات المصرية إلى اوروبا، كانت تقام حفلات يدعى إليها الأصدقاء والمعارف لمشاهدة إزالة التغليف عن المومياء. كانت تلك الحفلات من المناسبات الإجتماعية الكبرى، وكان يتم إهداء التمائم المتكشفة داخل لفائف تحنيط المومياء كتذكار لضيوف الحفل، ثم يتم عرض المومياء بلا تغليف فى المنزل، أو فى حجرة المكتب الخاصة بصاحب المنزل. فى الولايات المتحدة كانت لفائف المومياوات تستخدم لصناعة الورق البنى الذى يستعمله الجزارون، أما جسد المومياء، فكان يصنع منه طلاء بنى اللون، يستعمله الفنانون فى رسم اللوحات بالزيت، ويطلق عليه «بنى المومياء،» ويحكى أن أحد الفنانين أصيب بالذهول عندما علم أن اللون البنى الذى يرسم به لوحاته مصنوع من مومياء ًبشرية ولم يكن منه إلا أن قام بدفن ما تبقى من اللون فى فناء منزله احتراما للبقايا البشرية.
كتاب… ومش كتاب
هل تعلم أن كتاب الموتى الشهير عند الفراعنة، هو فى الواقع ليس كتاباً على الإطلاق؟ بل هو عبارة عن مجموعة نصوص جنائزية لمساعدة المتوفى فى رحلته إلى العالم الآخر. وكان يحتوى على تعاويذ سحرية ونصوص دينية لحماية المتوفى وتزويده بالمعلومات المفيدة اللازمة له فى رحلة ما بعد الموت.
كتاب الموتى يحتوى على 192فصل ولكن لا توجد بردية أو مخطوطة واحدة تضمهم مجتمعين. فكل شخص كان يختار منهم المجموعة التي يفضلها لتصاحبه فى رحلة مابعد الموت، ويقوم بتكليف أحد الفنانين لكتابتها ونقشها على مقبرته، أو على جعران لتوضع فوق قلب المومياء. فالمصرى القديم كان يعتقد أن القلب هو موضع العقل وإنه عند الحساب فى العالم الأخر، سيتم وزن القلب فى ميزان العدالة الإلهية أمام ريشة فى الكفة الأخرى. فإذا كان القلب أخف من الريشة، كان ذلك دليلاً على أن المتوفى إنسان طيب وصالح ومن ثم يسمح له بالإنتقال إلى الجنة ودار الخلود. اما إذا كان القلب أثقل من الريشة، فسرعان ما يلتهمه وحش «العمعم» الذي يكون جالساً متربصاً عند الميزان.
الإعتراف السلبي

الإعتراف السلبى من كتاب الموتى الخاص بالمدعو “آنى”، اكتشف فى مقبرته بالأقصر، الأسرة التاسعة عشرة
من مقتنيات المتحف البريطانى
تستحضر كلمة الوثنية فى أذهان الكثيرين صور الفجور واللأخلاقية. وبالرغم من اعتبار المصريين القدماء وثنيين، إلا انهم كانوا يقدسون القواعد الأخلاقية والإنسانية، وكانوا يعتقدون أن الشخص إذا مات، تتم محاسبته أمام 42إله، وتوجب على المتوفي أن يتلو أمامهم قائمة للخطايا والآثام مقراَ بأنه لم يرتكب أى منها، فيما يسمى اليوم بـ «اعتراف سلبي.» وفيما يلى جزء من الإعتراف السلبى الوارد فى أحد نصوص كتاب الموتى:
أنا لم ارتكب جرائم ضد الشعب
أنا لم أكفر بأى إله
أنا لم أسرق الفقير
أنا لم أتسبب فى إيلام أحد
أنا لم اتسبب فى بكاء أحد
أنا لم أقتل
أنا لم أأمر بالقتل
ّأنا لم أعذب احدا
أنا لم أتلف قرابين المعابد
أنا لم أزن ولم أدنس نفسى
أنا لم أغش في الميزان
أنا لم أخذ الحليب من فم الأطفال
أنا لم أحرم الماشية من مرعاها
أنا لم أوقف إله فى موكبه
الأكثر قراءة

كان الشعر للمصري القديم جزءاً ً من هويته، وعنوانا لمستواه االجتماعي وانتمائه الديني وحتى مهنته، وكان المصريون يبدعون فى ابتكار تصفيفات للشعر الطبيعى والمستعار للنساء والرجال على حد سواء.

الاستعانة بخبرات شركة ”فاكتوم آرتي“ في التقنيات الحديثة لتنفيذ نسخ طبق الأصل من مقابر البر الغربي

يتم تصوير الفراعنة دائماً كقادة عظام ومحاربين لا يهابون الموت، ودائمى التعبد للألهة ، لكن الحقيقة قد تكون ابعد كثيراً عما عرفه الناس واعتقدوه. الباحث جارى شو يبحر بنا فى الجانب الإنسانى لفرعون مصر،ويرسم لنا صورة ليوم عادى فى حياة احد فراعنة الدولة الحديثة

المقابر الفرعونية، بما احتوته من رسوم ونقوش، تعرفنا بزمان سادت فيه ثقافة وحضارة كانت تقدس الترابط العائلى وحسن تربية الأبناء. فمن نصائح الحكيم بتاح حتب لإبنه المقدم على الزواج، الى شكل البيت العائلى المصرى، يمكننا التعرف على الكثير من ملامح الحياة العائلية فى مصر الفرعونية.

اخبرتنا النصوص المصرية القديمة ورسوم جدران المقابر الفرعونية بمعلومات كثيرة عن نوعية الأطعمة والمشروبات التى عرفها المصرى القديم. كما قاومت بعض بقايا الحبوب والمأكولات التى عُثر عليها عوامل الزمن وبقيت لتخبرنا قليلاً عن فنون الطهى عند الفراعنة.