مقدس ومحصن
الزي في العصر القبطي
كتابة إنجي حنا
العدد ١١
ترجمة نوران ابراهيم
قرب نهاية القرن الثاني، انتقل الفيلسوف وعالم اللاهوت والمفكر اليوناني المسيحي تيتوس فلافيوس كليمنس (الذي عرف لاحقًا بالقديس إكليمنضس الإسكندري، أحد آباء الكنيسة البارزين) إلى الإسكندرية التي كانت آنذاك مقرًا تعليميًا بارزًا وإحدى أكثر مدن العالم القديم ازدهارًا. وضع إكليمنضس هدفًا رئيسيًا نصب عينيه: المساهمة في إرساء أسس الفكر والسلوك المسيحيين. وفي أثناء سعيه لتحقيق هدفه، قدم لنا، عن غير قصد، صورة حية عن شغف الناس في عصره بالملابس الملونة والفاخرة والزينة. يقول:
"فإذا كان الله يحذرنا من الاهتمام الزائد باللباس، والطعام، والكماليات بصفة عامة، باعتبارها أشياء غير ضرورية، فماذا يكون تصورنا عن أشياء مثل حب التأنق والتزين، وصبغ الصوف بألوان متعددة، والتحذلق في اختيار المصوغات والقلائد والمصنوعات الذهبية المتقنة، بل وما هو أكثر من ذلك، مثل الشعر المستعار ذي الخصلات المتموجة؟"
إكليمنضس الإسكندري، المُربي، 3.2
على الرغم من الطبيعة البلاغية للنص، لم يكن وصف إكليمنضس مبالغًا فيه بأي شكل من الأشكال؛ فبقايا الملابس، المستخرجة من أكوام القمامة والمقابر تحت الأرض، إضافةً إلى رسوم الرجال والنساء المتأنقين من الطبقة العليا على اللوحات الجدارية والمنسوجات ولوحات المومياوات، جميعها تؤكد على انتشار الملابس الفاخرة والحلي الفخمة وشعبيتها، لا سيما في المناطق الحضرية، خلال العصرين الروماني وأوائل البيزنطي. عادةً ما ينظر للملابس بوصفها مرآة للعالم من حولها، فماذا كان شكل هذا العالم؟
عصر الانتقال
يُنظر إلى فترة العصرين الروماني وأوائل البيزنطي بوصفها حقبة تاريخية خاصة، حيث حدثت تغييرات رئيسية بين القرنين الأول والسابع الميلاديين. بدأ هذا الفصل من تاريخ مصر عندما ضم أغسطس مصر للإمبراطورية الرومانية عام 30 ق.م. وانتهى بالفتح العربي عام 642 م. قبل دخول الرومان، كانت مصر بلا جدال جزءًا من العالم الهلنستي. كان اليونانيون قد جاءوا واستقروا بأعداد كبيرة، وخاصة في مدن مثل الإسكندرية، ونقراطيس (مدينة تقع على الفرع الكانوبي لنهر النيل في الدلتا الحالية)، وبطليموس هيرميو (المنشاة في سوهاج اليوم)، والتي أضيف إليها في 130 م. أنتينوبوليس (بالقرب من ملوي بالمنيا). بمرور الوقت، أصبحت اللغة اليونانية أكثر شيوعًا في العديد من مناحي الحياة، حيث حلت اللغتان القبطية واليونانية محل الديموطيقية تدريجياً وأصبحتا في نهاية المطاف اللغتين الرئيسيتين لسكان مصر.
تحت الحكم الروماني، كانت المستوطنات الحضرية في معظمها عواصم للمقاطعات (وكان يطلق على المقاطعة آنذاك نوم)، بالإضافة إلى المدن القليلة التي بناها اليونانيون. مدينة أوكسيرينخوس (عاصمة مقاطعة أركاديا القريبة من المنيا الحالية)، على سبيل المثال، كانت مليئة بالسمات المميزة للثقافة الهلنستية مثل الأجورا (ساحة الندوة) والشوارع ذات الأعمدة ومنشآت الجمنازيوم (التدريب الرياضي) والمسارح وساحات الألعاب والحمامات العامة وسباقات الخيل والمسابقات الشعرية. في المقابل، تركزت الحياة في قرى مثل أفروديت (في سوهاج) وكرانيس (كوم أوشيم في الفيوم اليوم) في الغالب على الزراعة والأنشطة الرعوية مع القليل من التأثير اليوناني وحسب. كان هذا التناقض بين الحياتين الحضرية والريفية هو الانقسام الثقافي الأبرز في مصر في الحقبة الرومانية وأوائل البيزنطية. مع مرور الوقت، تلاشت ملامح الثنائية اليونانية/ المصرية، وأصبح تحديد المستويات في البنية الاجتماعية خاضعًا بشكل متزايد لظروف الميلاد والوظيفة والثروة، بدلاً من الانتماء العرقي.
كما يتضح من كلمات إكليمنضس، كان ذلك العالم بوتقة تتعايش فيها الأيديولوجيات المختلفة وتتنافس مع بعضها البعض؛ كان عالمًا يضج بالحياة، اتسم فيه الانتقال التدريجي من العصور القديمة إلى المسيحية بالإبداع وغزارة الإنتاج. تأثر نمط حياة الفرد الذي عاش في هذا العالم بشكل كبير بالثقافات الكلاسيكية. تطورت في هذا العالم السلالتان القديمتان المتعايشتان، المصرية واليونانية، اللتان تفاعلتا بمختلف الأشكال منذ العصر البطلمي، حتى وصلتا إلى حالة توازن، قبل أن تختفيا تدريجياً مع سيادة المسيحية في المشهد المصري. كان للدين الجديد عميق الأثر على الهوية الثقافية لمصر في ذلك الوقت. مع تحول المسيحية من ملة صغيرة بأتباع مضطهدين إلى ديانة راسخة، زاد عمق تأثيرها الثقافي. مع بداية القرن الخامس، تغلغلت الثقافة المسيحية في كل جانب من جوانب المجتمع، وتواكب ذلك مع بروز الكنائس في جميع أنحاء البلاد، من عواصم المقاطعات والمدن الكبرى إلى القرى والنجوع. أقيمت روابط قوية بين الكنيسة والسكان من خلال العمل الخيري والإرشاد الرعوي، وتجلت المعتقدات المسيحية حتى في أصغر التفاصيل في حياة الناس اليومية، بدءًا من نقش صليب بسيط على مغرفة الطعام إلى إنشاء الكنائس المصغرة للصلوات الخاصة في المنازل. أدى هذا التفاعل بين الثقافات الكلاسيكية ذات التأثير المتضائل والثقافة المسيحية سريعة الانتشار إلى ظهور أشكال مستحدثة من الفنون البصرية والصناعات بما في ذلك صناعة الثياب. في هذا السياق، كان ما يرتديه الناس يتعدى كونه مجرد خامات مخيطة معًا لحماية الجسم. كانت ملابس المصريين آنذاك علامة على ما يعتقدونه ويؤمنون به، في تجلِ مدهش للهوية.
اشكال تقليدية بزينة جديدة
السترات
بالنسبة لكل من الرجال والنساء، مثلت السترة أو الخيتون الزي الاعتيادي. كانت تصنع عادةً من الكتان والصوف، بحيث تشكل حرف T بكم أو نصف كم. كانت السترة النمطية تزين بشريطين عموديين أنيقين من النسيج ("كلافي" باللاتينية وتعني "شريط") يمتدان على الكتفين من الأمام والخلف على جانبي الرقبة حتى الحافة السفلية. في الملابس الأكثر أناقة، كانت توجد الأوربيكولاي أو الحليات الدائرية (المفرد: أوربيكولوس) أو الأشكال المربعة على الكتف وعلى مستوى الوركين من الأمام والخلف. وتصاحبها في بعض الأحيان شرائط تنتهي بشكل الحرف جاما أو ورقة شجر وشريطين على الأكمام القصيرة.
على عكس مصممي الأزياء اليوم، لم يكن صانعو الملابس في الماضي ليخاطروا كثيرًا فيما يتعلق بتطوير أشكال الثياب. اقتصرت التغييرات الملحوظة بشكل أساسي على الاختلافات في زينة الملابس وزخرفتها. لو كنت موجودًا في القرون الأولى بعد الميلاد، ربما كنت لتفضل تزيين سترتك بصور أبطال أو آلهة الأساطير الكلاسيكية مثل هرقل وديونيسوس وبان وميليجر وتريتون وإروس والنريدات. حتى لو كنت مسيحياً، كان لم يزل بإمكانك الاستمتاع بهذه الزينة الوثنية. بدءًا من القرن الثالث الميلادي، أدخلت التعديلات على هذه الأشكال لتعكس المفاهيم المسيحية. على سبيل المثال، كان من الممكن استخدام صورة ديونيسوس لتمثيل عقيدة الخلاص. فُسرت أساطير هذه الآلهة اليونانية جزئيًا بطريقة جعلت من كل من ديونيسوس أو نيلوس مثلًا مكافئًا للمسيح. إلى جانب هذه القراءة المسيحية، جرت علمنة بعض الأفكار الأسطورية مما أفقدها دلالاتها الوثنية؛ بحيث استخدمت فقط كرموز للخصوبة والحظ والجنة والتجدد المستمر والحماية من العين. بداية من القرن الخامس الميلادي وما بعده، حلت الأفكار والرموز المسيحية تدريجياً محل نظيرتها الكلاسيكية. تطورت السترات، مثل مكونات الملابس الأخرى، لتتحول إلى شارات دالة على التدين. فضل أتباع المسيحية الرموز الدينية مثل الصلبان والدلافين والأسماك والكروم بأعنابها وأغصانها والقديسين على ظهور الخيل ومزهريات الزهور والطيور. كما شاع استخدام بعض قصص الكتاب المقدس أيضًا، وأبرزها مشاهد العهد القديم التي تروي قصة النبي يوسف وتضحية النبي إبراهيم بولده. من حين لآخر، كان الناس يزينون ستراتهم بمشاهد من الحياة اليومية، مثل إطعام النساء الدجاج أو جمعهن للعنب أو تسريح الرعاة لقطعانهم في الحقل. ومما يثير الاهتمام أن هذه السترات كثيفة الزخرفة كانت ترتدى تحت الملابس الخارجية.
الملابس الخارجية
تألفت الملابس اليومية الأساسية من شال أو عباءة لتغطية السترة - أو في بعض الأحيان سترتين بأطوال مختلفة. كانت الشالات أكثر قطع الملابس الخارجية شيوعًا. ويبدو أنه كان هناك أنواع مختلفة من الشالات قيد الاستخدام. أحد الأنواع التي تظهر بشكل متكرر هو نسخة مطورة من الهيماتيون اليوناني والتوجة الرومانية القديمين، ويتكون من قطعة قماش كبيرة مستطيلة تتهدل حول الكتفين والخصر، مع ترك أحد الذراعين حرة. يبدو أن العباءات لم تكن شائعة مثل الشالات، ولكن مع ذلك يتكرر ظهورها في لوحات المومياوات. في بعض الأحيان، كان للعباءة نفس لون السترة المرتداة تحتها، مما يوحي بأن طقم الملابس قد صنع في نفس الوقت. تظهر أمثلة أخرى العباءة بلون مغاير، إما أغمق أو أفتح من السترة: عباءة أرجوانية مع سترة بيضاء، أو بيضاء مع سترة زرقاء داكنة، أو برتقالية مع سترة خضراء. كما كانت الأوشحة تستخدم كملابس خارجية، وكانت عادةً ما تلقى فوق الكتفين أو حول الرقبة. في بعض الأحيان كان الوشاح يلف بطريقة معقدة إلى حد ما مثل الشالات. كانت معظم الأوشحة مزينة على طول حوافها، عادةً بخطوط، أو مربعات، أو رصائع، أو نجوم، أو أزهار متعددة الألوان.
النعال
تعد الصنادل الجلدية المفتوحة من أكثر الاكتشافات الأثرية شيوعًا. مثل نماذجها الأولية القديمة، كانت الصنادل دائمًا ما تزود بسير يفصل إصبع القدم الكبير عن الأصابع الأخرى. كما تبقت الأحذية أيضًا بأعداد كبيرة وتظهر بشكل متكرر في الجداريات ومجموعات المتاحف. واعتمدت زينة الأحذية عمومًا على التباين بين لون الخلفية - الأحمر أو الأسود، أو الأبيض في حالات نادرة - ولون السيور المُخيطة على جانب الحذاء. كانت الأحذية ذات الرقبة أقل شيوعًا، واستخرجت أمثلة قليلة ذات مقدمة مدببة ومقوسة لأعلى من باويط وأنتينوبوليس.
علامة المرأة الفاضلة
بينما ارتدى كلا الجنسين نفس مكونات الملابس تقريبًا، كانت هناك بعض الاختلافات مثل حجم الملابس ونعومة نسيجها وكثافة زخرفتها وتطريزها، ولربما كان اللون هو أكثر هذه الاختلافات وضوحًا. يظهر الرجال عادة مرتدين ملابس بيضاء أو غير مبيضة، بينما فضلت النساء تنوع الألوان، بما كان يتمثل عادةً في الدرجات الزاهية من الوردي والبنفسجي والأزرق والأحمر. غالبًا ما كان الرجال يرتدون سترات بطول الركبة، بينما وصلت السترات النسائية لما فوق الكاحل. ارتدى الرجال الشالات التي غطت أكتافهم وأجسادهم جزئياً، بينما كانت شالات النساء تغطي رؤوسهن وأجسادهن. كما ارتدت النساء شالات أصغر حجمًا كن يضعنها ببساطة على الرأس، مع وضع طرف فوق الآخر من الأمام وإلقاءهما للوراء خلف الكتفين أو طيهما بشكل قطري وعقدهما عند الصدر. بالنسبة للنعال، فضلت النساء ارتداء أحذية تغطي أقدامهن بالكامل، بينما كان الرجال يرتدون الصنادل على أقدامهم العارية أو فوق الجوارب. كانت العادة أن تغطي النساء رؤوسهن وأجسادهن وأقدامهن بالكامل، ولكن إلى أي مدى كان ذلك مؤشرًا لجدارة المرأة بالاحترام؟
في هذا العالم، كان اختيار الملبس بمثابة الدخول في حقل ألغام أخلاقي، تمتع فيه الرجال بالصلاحيات الأساسية والسلطة الأخلاقية. عندما حددوا مظهر المرأة المحتشم، ركزوا على سمتين رئيسيتين: تغطية رأس المرأة وجسدها ورفض التبرج. نشأت فكرة تغطية الجسد الأنثوي في العالم الروماني، حيث ارتبط الحجاب طقسيًا بزوجة كاهن جوبيتر المخلصة، ومن ثم، كان يُنظر إليه بوصفه رمزًا للثبات والإخلاص مدى الحياة. كان يُنظر إلى الحجاب أيضًا بوصفه علامة على المرأة المتزوجة كما أشار بلوتارخ. لذلك، لم يعتبر المجتمع الروماني خلع الحجاب علامة على الفجور وحسب، ولكن أيضًا إشارة إلى الانسحاب من الزواج. وبالمثل، كانت الثياب التي تصل إلى الكاحل هي النسخة المطورة من اللباس الروماني المسمى "pudicitia" أو الاحتشام. على الرغم من ظهور متطلبات الاحتشام هذه من قبل المسيحية، فقد تمسك بها المسيحيون لاحقًا. دعا قادة الكنيسة في مصر إلى نفس معايير اللباس المحتشم. إحدى الروايات التي تؤكد هذا المفهوم هي عظة القديس بسنتاؤس، أسقف قفط، من القرن السادس، والتي يقول فيها: "... أنا آمركن بشكل قاطع بتعليمات عظيمة ألا تخرج أي امرأة على الإطلاق خارج باب منزلها ورأسها مكشوف ...". يبدو أنه خلال الفترة الرومانية والبيزنطية المبكرة، كان يُنظر إلى ظهور المرأة على الملأ بوصفه خطرًا محتملًا على الأعراف الاجتماعية. كما كان يُنظر إلى التبرج على أنه مفسدة لاحتشام المرأة وحيائها. يمكن إرجاع الجدل ضده إلى كتابات الفلاسفة الرومان مثل فيلسوف القرن الأول الرواقي سينيكا الأصغر. وبالمثل، استنكر المؤلفون المسيحيون التبرج باعتباره فنًا شريرًا. حتى أن إكليمنضس ذهب إلى حد وصف الزينة والتبرج بأنهما "ليسا سوى شارة الزنا".
أنت ما ترتديه
حاولت الحكومة الرومانية الحفاظ على النظام الاجتماعي من التغيير عن طريق منع بعض الأشخاص من ارتداء ملابس تماثل تلك التي يرتديها أعضاء المجتمع الأكثر ثراءً أو نفوذًا. بمرور الوقت، سنت سلسلة من القوانين للحد من الطرق التي يرتدي بها الناس الثياب، بحيث استخدمت قواعد اللباس كعلامة على المكانة. حجمت هذه القيود من تصميم الملابس وأسلوب تزيينها والنسيج المستخدم في صناعتها. على سبيل المثال، بدايةً من حكم تيبريوس (14-37 م.)، أصدر مجلس الشيوخ قانونًا يمنع الرجال من ارتداء الحرير لأنه كان يُعتبر نسيجًا تصنعه الأيدي الإلهية دون اعتماد على البشر، حتى أنه كان هناك منصب إمبراطوري خاص مناط به حفظ الحرائر. بحلول عام 424 م.، لم يُمنع فقط نسج عباءات وسترات من الحرير الخالص المصبوغ باللون الأرجواني، ولكن أُمر جميع مالكي هذه القطع بتسليمها إلى الخزانة دون منحهم تعويضًا عنها. وكان عدم الالتزام بهذا القانون جريمة مماثلة للخيانة العظمى. ومن المثير للاهتمام أن المكتشفات من مصر، وتحديداً من بانوبوليس (أخميم)، تُظهر أن هذا القانون لم يطبق عمليًا، حيث كان النساجون يستوردون الحرير من الصين عبر بلاد فارس.
ربما كانت الطريقة الأوضح التي تجلى بها تعبير الملابس عن الوضع الاجتماعي هي ببساطة تباين جودة المواد المستخدمة والمهارة والمصنعية. كان الرجال والنساء من الأثرياء يرتدون ملابس كتان فاخرة وعالية الجودة. كما كانوا يتحصلون على أقمشة باهظة الثمن من الحرير والأرجواني المصبوغ. وكانت الزينة الكثيفة تعني أن لديهم القدرة على تحمل تكلفة الزخرفة النسيجية باهظة الثمن. أتقن هذه التقنية أحد المهنيين المدربين خصيصًا، والذي أشارت إليه إحدى البرديات من القرن الرابع إلى الثامن باعتباره حرفيًا مدربًا على تقنية المكوك الطائر المستخدمة خصيصًا في الزخرفة النسيجية.
كان تقليد الموضة الإمبراطورية طريقة أخرى لاستعراض الثروة والمكانة. تفاخرت النساء الثريات في مصر بطبقتهن المتميزة من خلال تقليد الإمبراطورة في طريقة ارتداء الثياب ذات الطبقات، والزخرفة الكثيفة، والمجوهرات الفخمة، وتسريحات الشعر الأنيقة. وتندر الأدلة على التمثيلات البصرية لنساء الحقبة الإمبراطورية في مصر للغاية. ومع ذلك، قد تمنحنا التمثيلات المتبقية في المقاطعات الأخرى لمحة عن هذا الأمر، كونها تعبر عن اتجاه أوسع للفن الإمبراطوري الرسمي في جميع أنحاء الإمبراطورية. وظهرت الإمبراطورات بأبرز ما يكون في التماثيل الحجرية التي كانت توضع في أبرز الأماكن والمساحات. كما وضعت صورهن على العملات المعدنية والفسيفساء والتماثيل الصغيرة المملوءة بالرصاص، بحيث قدمت خطوطًا استرشادية عن مظهر الإمبراطورات مكنت العامة من محاكاته.
اخزِ العين
أدخلت الصور الروحانية إلى زينة الملابس لدرء الأرواح الشريرة واجتذاب الطيبة. خلال هذه الحقبة، كان الخوف من "العين" سائدًا، حيث كان الناس يؤمنون أن حسن الطالع كان عرضة لهجمات القوى الشريرة الخارقة للطبيعة. لحماية أنفسهم، زين الناس ثيابهم بصور روحانية اعتقدوا أنها تتمتع بالقدرة على قهر الشر. عادت أصول بعض هذه الصور للأساطير، مثل رسم بيليروفون وهو يقتل الكَيميرا، الوحش ذا الرؤوس الثلاثة الذي يبصق النار. أما البعض الآخر فقد استُلهم من قصص الكتاب المقدس التي آمنوا بسطوتها على القوى الشيطانية، مثل تلك التي تروي تضحية النبي إبراهيم بولده ومعجزات المسيح. كان الفارس المقدس تيمة روحية شاع استخدامها في الملابس والحلي، وكان يمثل بشخصيات متعددة مثل إله الفارس التراقي هيرون والمعبود المصري حورس وسليمان الملك والسيد المسيح والقديسين جرجس وسيسينيوس.
في العالم الروماني وأوائل البيزنطي، تجاوزت الملابس كونها مجرد قطعة من القماش أو وسيلة لتغطية الجسم؛ بل كانت بمثابة مرآة عاكسة للفضيلة والمكانة الاجتماعية والتدين، وتشابكت بشكل لا ينفصم مع الهوية المصرية التي بزغت خلال عصر التحول ذلك.

سترة من الصوف مع شرائط كلافي أرجوانية عريضة وحليات دائرية منسوجة بتقنية المكوك الطائر. نسج عادي مع أجزاء من الزخرفة النسيجية، القرن الرابع - السادس م. تقريبًا. - بحلول نهاية القرن الثالث الميلادي، كانت ممارسة التحنيط قد اختفت تقريبًا. بعد ذلك، أصبح من الشائع دفن الموتى مع ملابسهم وغيرها من الأغراض. وفي هذه المدافن عُثر على معظم ما يشار إليه عمومًا "بالمنسوجات القبطية". تقدم السترة المصورة هنا مثالًا على الثياب النمطية في العالم البيزنطي. كانت السترات في بدايتها تُصنع عادةً من قطعة واحدة من القماش المنسوج، بحيث تطوى على الكتفين وتُخاط من الجانبين حتى الأسفل مع وجود فتحة للرقبة. كانت السترات ترتدى عادة في شكل طبقات، وكان الثوب الخارجي يزين بشرائط منسوجة ومزخرفة تسمى كلافي وبالرصائع. ربما كانت السراويل ترتدى تحت الثياب الخارجية، ولكن الأمثلة المتبقية على ذلك قليلة جدًا.
© تصوير: هوجو مايرتنز، مؤسسة فيبوس

شبكة شعر من الكتان، الدير البحري، القرن الرابع م. تقريبًا. - كانت النساء عادةً ما يرتدين شبكة الشعر في المنازل - بينما تضاف أغطية رأس أخرى فوقها عند الخروج - وكانت تصنع عادة في المنزل باستخدام تقنية الشبيكة، التي تستخدم مجموعة من الغرز تشبه الشبكة، بحيث تتيح للشبكة أن تتسع وتُضبط وفقًا لحجم الرأس وتسريحة الشعر. ظهرت شبكة الشعر خلال العصر البطلمي لكنها اكتسبت شعبيتها خلال العصرين الروماني وأوائل البيزنطي، واختفت ببطء (وذلك وفقًا لما نعرفه من الاكتشافات الأثرية حتى الآن) بعد القرن السابع الميلادي. على الرغم من العثور على العديد من شبكات الشعر، فإنه لا توجد أدلة بصرية واضحة تشير إليها، وليس بوسعنا سوى أن نخمن كيفية ارتدائها.
© تصوير: بولس إسحاق، مقتنيات من المتحف المصري بالقاهرة

لوحة من مقبرة ثاؤدوسية التي يعود تاريخها للقرن السادس. تقف ثاؤدوسية في المنتصف بين القديس كولوثوس والسيدة مريم العذراء. - يرجح أن القديسين يرتديان ملابس على طراز أقدم، لكن ثاؤدوسية تبدو أكثر مواكبة للموضة بعض الشيء، وغالبًا ما ينظر إلى رسمها في هذه اللوحة بوصفه تمثيلًا ممتازًا للزي النمطي للحقبة البيزنطية. هذه اللوحة المرسومة بالألوان المائية نسخة من نظيرتها في مقبرة ثاؤدوسية في أنتينوي (الشيخ عبادة في صعيد مصر حاليًا).
© معهد العالم العربي

جورب طفل، ربط إبري بالصوف، الفيوم، القرن الرابع - الخامس م. تقريبًا. - كشفت أعمال التنقيب عن عدد كبير من الجوارب المصنوعة من الصوف والمشكّلة بطريقة تعزل إصبع القدم الكبير عن أصابع القدم الأخرى لإفساح مساحة لرباط الصندل. غالبًا ما تكون هذه الجوارب ملونة. زين بعضها بخطوط، وبالنسبة للبعض الآخر فقد كانت ألوان أجزائها العلوية وكعوبها مختلفة عن لون بقية الجورب. صنعت معظم الجوارب المستخرجة بتقنية غرزة الحلقات المعروفة باسم الربط الإبري، والتي تستخدم فيها أطوال محدودة من الخيوط على إبرة واحدة بعين بتقنية أقرب إلى الخياطة أو التطريز منها إلى الحياكة الحديثة. يحول الخيط إلى سلسلة من الحلقات التي تمتزج معًا لتنتج نسيجًا مرنًا ومطاطيًا. تقدم الأمثلة المتبقية لمحة عن تنوع الألوان المتاحة: الأخضر الداكن والأزرق الداكن والوردي الأشبه بالسيمون والأرجواني والأخضر المزرق، والأحمر الداكن والأصفر والأخضر.
© المتحف الملكي في أونتاريو/ مجموعة والتر ماسي

سترة، كتان منسوج غير مصبوغ، بزخارف نسيجية صوفية تظهر أشكالًا بشرية وحيوانات وطيور، أخميم، القرن السابع الى التاسع م. تقريبًا. - عُدلت شرائط الكتف أو الكلافي (وتعني باللاتينية "شريط") لتناسب النمط المصري في الثياب. ارتبطت الكلافي في الأصل بالزي العسكري واستخدمت للتعريف برتبة من يرتديها. بمرور الوقت، أصبحت شائعة بين عامة الناس الذين ارتدوها لأغراض تزيينية بحتة.
© متحف فيكتوريا والبرت

سترة كتان، نسج عادي مع زينة من الزخرفة النسيجية، القرن السابع م. تقريبًا. - مثال على سترة معروضة على مانيكان لتوضيح كيفية ارتدائها (ولكن بدون الحزام). كان الرجال والنساء يرتدون الملابس على نفس النمط، وكان الاختلاف الرئيسي يتمثل في الطول. كان الرجال يرتدون سترات طويلة وأخرى تصل للركبة. كانت النساء يرتدين دائمًا ملابس محتشمة في الأماكن العامة وارتدين سترات يصل طولها للكاحل. عامل آخر مميز هو خياطة خط الخصر. كانت النساء تربط أحزمتهن تحت الصدر، وبالتالي كانت خياطة خط الخصر على السترات النسائية أكثر ارتفاعًا.
© هوجو مايرتنز، مؤسسة فيبوس

حذاء، جلد مع تطريز حريري وورق الذهب، القرن الرابع - السادس م. تقريبًا. - أحذية فاخرة: هكذا كانت العديد من الأمثلة المتبقية على الأحذية مثل تلك: مطرزة ومزخرفة بورق الذهب، كما كانت ألوانها أرجوانية أو حمراء في الأصل. النجوم المطرزة من خيوط الحرير، والجلد الرقيق المدبوغ (غالبًا جلد الماعز) مع الأصباغ الغنية كان من شأنهما أن يشيرا إلى المكانة الرفيعة لمن يرتدي الحذاء. معظم الأمثلة المتبقية من الأحذية هي من النوع الخفيف الذي يرتدى بسهولة ويتمتع بمقدمة مدببة، كما تظهر تباينًا في نمط الجزء المحيط بمشط القدم وارتفاعه.
© متحف فيكتوريا وآلبرت/ إهداء من دادلي ب. ماير.
إنجي حنا
عضو هيئة التدريس بكلية السياحة والفنادق بجامعة المنيا، وأكملت درجة الدكتوراه في جامعة ساسكس عام 017. تكمن 2 اهتماماتها البحثية في تاريخ الفن البيزنطي المبكر، ولا سيما التاريخ الاجتماعي والفن العلماني والجنس والإدراك الحسي. صممت ونفذت العديد من الدورات وورش العمل حول هذه المواضيع، ونشرت مؤخرًا كتابها الأول، "المرأة في أواخر العصور القديمة في مصر من خلال المصنوعات 2 .) القبطية"