أجمل من ذي العمامة
الملابس المصرية في العصر المملوكي
كتابة جيليان فوجلسانج-ايستوود
استكشاف للملابس اليومية المتنوعة لمصر في عصر المماليك بكل تفاصيلها المعقدة والمستفيضة وألوانها الزاهية.
يغطي العصر المملوكي (السلطنة المملوكية)، في مصر والشام، فترة تمتد من حوالي 1250 م. إلى 1517 م. وبينما يوجد الكثير من الأدبيات التي تتناول تفاصيل هذه الفترة من حيث المعمار وفنون الزخرفة، لا يعرف سوى القليل بشأن ملابسها. يمكن العثور على بعض المعلومات في كتابات المؤرخين مثل المقريزي وابن تغري بردي وغيرهم، ولكن دون الكثير من التفاصيل، وتحديدًا فيما يخص النساء اللاتي كن لا يخرجن إلى الأماكن العامة دون حجاب يغطيهن بالكامل (وتحديدًا في المناطق الحضرية). ويتمثل التحدي الأكبر في ندرة المراجع البصرية المتبقية من العصر المملوكي مقارنة بعصور التاريخ المصري الأخرى. تتسق الرسوم في مقامات الحريري، على الرغم من أصولها العراقية، مع أوصاف الملابس المصرية في ذلك العصر، ومن ثم توفر لنا الكثير من المفاتيح التي قد تتيح استكمال الصورة. وبالمثل، يعطينا الرحالة الأوربيون، مثل الألماني آرنولد فون هارف الذي زار مصر في الطريق إلى القدس للحج في نهايات القرن الخامس عشر، المزيد من اللمحات على ملابس المصريين آنذاك.
يمكن العثور على عدة أمثلة على الملابس والمنسوجات التي تنتمي لهذه الفترة في العديد من مجموعات المتاحف، بما فيها متحف الفن الإسلامي في القاهرة والمتحف البريطاني في لندن. ولكن بشكل عام، تندر المنسوجات والملابس المتبقية من تلك الفترة، ومعظم الموجود منها مصنوع من مواد ثمينة، فلا يوجد سوى أمثلة قليلة متبقية بشكل كامل على ملابس "الحياة اليومية". وعلى الرغم من ذلك، لم يزل من الممكن الحصول على فكرة عامة عن نطاق الملابس التي ارتداها الرجال والنساء والأطفال بناءً على تلك الأمثلة والأوصاف الكتابية والبصرية المزامنة لهم.
تضمنت الملابس الأساسية للعصر المملوكي قطعًا مثل السروال والقميص والثوب وغطاء الرأس والنعال والإكسسوارات مثل الشال والوشاح. بالإضافة إلى ملابس الخروج (المعاطف والعباءات). يمكن تقسيم هذه الملابس إلى تلك التي ارتداها الرجال والنساء على حد سواء (مع بعض الاختلافات في المقاس والقصة واختيار القماش)، وتلك التي ارتداها أحد الجنسين دون الآخر (خصوصًا أغطية الرأس والدُثر الكبيرة وحجاب الوجه).
ملابس الرجال والنساء معًا
السروال – أثناء العصر المملوكي ارتدى معظم الناس (وليس الكل) سراويلًا داخلية بشكل أو بآخر. يبدو أن الشكلين الأساسيين كانا السروال الذي يصل إلى الركبة، وارتبط بالفلاحين والفقراء، والسروال الطويل الذي يصل إلى الكاحل وارتداه التجار والعلماء ورجال الدولة.
القميص – كان القميص لباسًا داخليًا يرتديه كل من الرجال والنساء. كان ببساطة عبارة عن ثوب طويل وضيق بعض الشيء بأكمام. عادةً ما كان القميص يصنع من قطعة طولية من القماش تطوى إلى نصفين عند الكتفين، وكانت له فتحة دائرية للعنق مع شق طولي قصير بالأمام. وكان من الممكن أن تكون الأكمام قصيرة أو طويلة.
الثوب – إحدى قطع الملابس الأخرى التي ارتداها الرجال والنساء والأطفال بالمنزل هي الثوب، ومن المحتمل أن يكون هو النسخة الأحدث من السترة أو الخيتون القديمين، والنسخة الأقدم من الجلابية الحديثة. ومن المعروف أن الاختلافات والتنوع في كيفية تفصيل الثياب وأطوالها كانت موجودة بالفعل، ولكنها اختلافات طفيفة نسبيًا. التفصيل الأساسي للثوب بسيط: عادةً ما يبدأ بمستطيل مركزي ضيق بضعف طول من سيرتديه، بحيث يطوى إلى نصفين، وتقص فتحة فيه للرأس والعنق، ومن ثم تحاك إلى كل من جانبيه قطعة رفيعة من القماش يثبت إليها الكُم ووصلة الإبط (التي كانت تستخدم لمنح الذراع حرية أكبر في الحركة). كانت الأكمام طويلة عادةً، وفي بعض الأحيان كان الثوب يصنع من قطع من مواد مختلفة، مما يظهر كم كان القماش ثمينًا آنذاك.
الملابس الرجالي
اشتملت الملابس التي ارتداها معظم الرجال في العصر المملوكي على العرَّاقة والعمامة. وبالإضافة إلى ذلك، عند الخروج من المنزل أو في شهور الشتاء، كانوا عادةً ما يرتدون القِباءة المفتوحة (مثل الجاكيت المعاصر) أو القِباءة العادية (مثل العباءة).
العرّاقة والعمامة – تنوعت أنواع العرّاقات واشتملت أشكالها على السادة والمطرزة والمنجدة والمحاكة والمصنوعة من اللباد أو من مزيج من المواد والأقمشة. كانت العرّاقات من أكثر قطع الملابس الرجالية زخرفة، ولم يكن للرجال غنى عنها، فلم يكن من اللائق على الإطلاق الخروج من المنزل دونها. كما كان ارتداء العمامات شائعًا بين الرجال (والنساء في حالات محدودة). كان لارتداء العمامة أهمية كبيرة، لدرجة أنه يقال إن أحد الرجال أنفق دينارين على ردائه، بينما "أهدر" أربعة دنانير على عمامته.
أثناء العصر المملوكي، ظهرت العراقات عادةً في صورة غطاء رأس محكم من الكتان أو القطن لامتصاص العرق وحماية العمامة الأغلى ثمنًا من التلطخ بالبقع. في نسخة (قديمة) من مخطوطة مقامات الحريري (1334 م.) توجد حاليًا بالمكتبة الوطنية بفيينا، يوجد رسم مصغر لأبي زيد (شحاذ عجوز ارتحل بين البلاد الإسلامية بالشرق الأوسط في العصور الوسطى) ملقيًا خطبة، ويظهر معه في الرسم عدة صبيان يرتدون عراقات، تتكون إحداها، على سبيل المثال، مما لا يقل عن ستة مثلثات يتناوب فيها القماش السادة والمنقوش (بالإضافة إلى عصابة الرأس)، بينما يرتدي صبيان آخرون عراقات بأشكال بيضاوية تتكون كل منها من نوع واحد من القماش.
بالإضافة إلى الكتان والقطن، ارتدى بعض الرجال عراقات من اللباد، وعثر على عراقة من هذا النوع في منطقة القصير القديمة، وتتكون من قطعة واحدة من اللباد ويرجح كونها مثالًا على ما يسمى بالقلنسوة التي كان يرتديها الرجال من الطبقات المتوسطة والدنيا أثناء العصر المملوكي. وتشتمل على جزء أفتح قليلًا من البقية على كامل دورانها، وغالبًا كان هذا هو الجزء الذي تلف حوله قطعة أخرى من القماش أو عمامة أكثر أناقة (بحيث حمت قطعة القماش هذا الجزء من العراقة من الوسخ والتراب، ومن ثم احتفظ بلون أفتح بعض الشيء من بقية الأجزاء المعرضة لهما).
كما أنه من المعروف أن العراقات المخروطية مع العمامات كانت ترتدى هي الأخرى في عالم المماليك، وهناك الكثير من الأمثلة على ذلك في الكتب العربية التي تنتمي لتلك الفترة. على سبيل المثال، في إحدى المخطوطات الأخرى للمقامات بمكتبة المتحف البريطاني، يوجد رسم لرجل يرتدي عراقة مدببة وعمامة كبيرة مثبتة بها.
الملابس الحريمي
تألفت أزياء النساء من مجموعة من القطع الأساسية مثل السروال والقميص والثوب – أحيانًا ما كان يرتدى مع حزام – وحجاب الشعر وأحد أنواع الأوشحة (مثل البُخنُق)، والذي عادةً ما كان يثبت في مكانه بعصابة، وعند الخروج إلى الأماكن العامة، كانت النساء ترتدي الإزار وحجاب الوجه والخُف (وهو حذاء برقبة وليس صندلًا). توفرت للنساء تشكيلة واسعة من الأقمشة، وكلما زادت المرأة ثراءً، انعكس ذلك على امتلاء خزانة ملابسها بالأزياء الفاخرة من كل صنف ولون.
حجاب الشعر – ارتدت العديد من النساء حجابًا كحليًا للشعر والرأس من مادة تشبه القماش الموصلي – كانت عادةً ما تصنع من الصوف – مع عصابات ذات أشكال مطرزة من القطن الأحمر أو الأزرق الفاتح أو غير المصبوغ. وعثر على أمثلة على هذا النوع من الأقمشة أثناء التنقيب في مواقع مختلفة تمامًا كالفسطاط في الشمال، والقصير القديمة على ساحل البحر الأحمر، وقصر إبريم في الصعيد. وعلى الأرجح كانت قطع القماش تلك تُلف بإحكام حول الرأس والشعر. وكان هناك نوع آخر من أحجبة الشعر التي ارتدتها النساء آنذاك، وكانت تصنع باستخدام تقنية الشبيكة غير النسيجية التي اشتهرت في مصر منذ العصر اليوناني الروماني.
وتظهر رسوم الفترة المملوكية النساء بشعرهن الذي إما يكون مصففًا بحيث ينسدل بنعومة حول الوجه وعلى الكتفين، أو في شكل ضفائر طويلة مع غطاء ما للرأس، عادةً ما يكون وشاحًا. كان أحد أنواع أغطية الرأس الشهيرة للنساء البُخنق الذي كان عبارة عن وشاح يُلف حول الرأس وتثبته في مكانه عِصابة، ويوجد رسم يوضحه في إحدى نسخ المقامات، حيث تظهر امرأتان تقفان أمام قبر، ومن الرسم نرى أن كلًا من المرأتين ترتدي وشاحًا أسود اللون ملفوف بإحكام حول الرأس ومشدود للأسفل مغطيًا الجبهة كاملة.
حجاب الوجه – حجاب الوجه هو قطعة منفصلة من الملابس تغطي كل الوجه أو جزء منه، ولا تمثل جزءًا من الدثار الخارجي أو حجاب الشعر. عُثر على عدد من أحجبة الوجه الكاملة وشبه الكاملة وأجزاء منها في الطبقات القروسطية في القصير القديمة وقصر إبريم. ويشتمل أحد الأمثلة الكاملة التي عثر عليها في القصير القديمة على البرقع الكلاسيكي مع عصابة للجبهة وحجاب منفصل يثبت إلى العصابة من عند الصدغين والأنف.
ويتألف حجاب آخر شبه كامل، من القصير القديمة، من قطعة من القماش الخشن منقوشة بمربعات زرقاء وبيضاء، وهو أكبر من الحجاب المذكور قبلًا، ويتكون من قطعة واحدة من القماش عوضًا عن نصفين مخيطين. كانت فتحتا العينين مشقوقتان ببساطة في قطعة القماش، مع شد خيط فوق قصبة الأنف، فيما يمثل نمطًا من النقاب الكلاسيكي في أحجبة الوجه.
كما عثر على حجاب وجه على نمط النقاب أيضًا في موقع قصر إبريم بالنوبة، ولكنه كان من الحرير الأحمر وربما كان أقصر قليلًا. وعثر كذلك على آثار صُرر جلدية، ربما استخدمت لحمل التمائم أو العملات المعدنية أو الخرز.
يمكن أن نرى أحجبة الوجه مثل البرقع أو تلك المشابهة للنقاب في العديد من مصادر تلك الفترة. على سبيل المثال، في مخطوطة دعوة الأطباء لابن بطلان، والتي تعود إلى القرن الثالث عشر، تظهر امرأة مرتدية إزارًا (دثارًا خارجيًا) باللون الأبيض، وفستانًا أسود قصيرًا، وحذاءً أسود برقبة وغطاء وجه أبيض ضيق. تظهر عصابة أفقية داكنة اللون تحت العينين مباشرة، مع عصابة داكنة مماثلة يغطيها الشعر فوق العينين، ويشد هذه العصابة حبل رفيع يربط قطعتي الحجاب معًا – فتظهر على شكل رقم 7 عند الأنف.
الإزار – سُجل عدد من القطع المجتزأة الكبيرة المنقوشة بمربعات زرقاء وبيضاء من ضمن منسوجات المواقع القروسطية مثل القصير القديمة وقصر إبريم. للوهلة الأولى، لم يبد أن هذه القطع احتوت على الكثير من الغرز أو آثار الاستخدام. معظم هذه القطع على الأرجح كانت في الأصل من أنواع الدثر الخارجية أو الأُزُر؛ وكان الإزار عبارة عن مستطيل كبير يتهدل فوق الرأس والكتفين وارتدته نساء العصر المملوكي عند الخروج.
ويتماثل مظهر قطع القماش التي عثر عليها في القصير القديمة وقصر إبريم بشكل مثير للدهشة مع تلك المصورة في كتاب إدوارد وليم لين الشهير عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم، المكتوب في 1836. كان الإزار "الحديث" (الذي عُرف في ذاك الوقت بالملاية) يتميز باللون الأزرق والأبيض ونقشة رئيسية من المربعات مع نقشة مقلمة على أطرافه. ومن المرجح أن تكون الملابس التي وصفها لين في كتابه هي خليفة الملابس التي ارتدتها النساء في أثناء العصر المملوكي.
إحدى المواد الأخرى التي قد تكون استخدمت لصنع الإزار هي القماش المطبوع بالكليشيه من الهند، حيث عثر على أمثلة عليه بداية من الفسطاط ومرورًا بقصر إبريم ووصولًا إلى القصير القديمة. ويوجد العديد من الرسوم المعاصرة للحقبة المملوكية تصور النساء مرتديات الأُزُر التي تملأها النقشات، على سبيل المثال باللونين الأزرق والأبيض، أو الأحمر والأبيض. كما تتوفر أدلة مكتوبة تشير إلى ارتداء بعض النساء في مصر للدثر المصنوعة من القطن الهندي أو الأقمشة المزخرفة على الطريقة الهندية. على سبيل المثال، يقتبس مؤرخ القرن التاسع عشر راينهارت دوزي كلمات الرحالة الإيطالي مانتيجاتسا، الذي كتب في عام 1600 أن نساء القاهرة "... غطين أنفسهن تغطية تامة برداء أبيض من القطن المنفوش، وهو نسيج يسميه الأهالي بافتة، وهم يجلبونه من الهند، ويغطين أنفسهن به من سمت الرأس إلى أخمص القدم".
ويوضح كل ما سبق أن الملابس اليومية التي ارتداها العديد من الناس في مصر المملوكية كانت متنوعة وغنية بالألوان. ونظرًا لارتفاع تكلفة شراء القماش للملابس، كان طول عمر كل قطعة عنصرًا مهمًا، والكثير من الملابس التي عثر عليها في الفسطاط والقصير القديمة وقصر إبريم كان قد سبق رتقها وخياطتها مرات ومرات حتى لم يعد من الممكن ارتداؤها أو استخدامها!

الزي البيتي الأساسي لنساء العصر المملوكي، والمتكون من ثوب وبخنق مثبت بعصابة. يلاحظ أن المرأة على اليمين أظافرها وقدماها مخضبة بالحنة. رسمة لثلاث سيدات من كتاب الحيوان للجاحظ، نشر في القرن الحادي عشر تقريبًا، بعد هالدين 1978-1979.
© بإذن من مكتبة الآمبروزيانا

اشتملت الملابس الرجالية الخارجية في الفترة المملوكية على قباءة (عباءة)، كانت أحيانًا ما تتضمن شريط طراز منقوش على الذراع (يُطلق عليه أيضًا دِراعة)، وعمامة عادةً ما تلف حول العرّاقة. في معظم الأحيان، كان الرجال يرتدون أيضًا السروال تحت هذه الملابس. وفي أقدامهم، كانوا يرتدون الخف (الحذاء الجلدي ذي الرقبة) أو النعال. للأسف، لم يتبق لنا أي زي كامل من هذا النوع، ولا يسعنا سوى التكهن بكيفية استخدام أهل مصر آنذاك لقطع القماش المتبقية تلك. رسم من مقامات الحريري لأبي محمد القاسم بن علي الحريري، نسخ هذه النسخة ورسمها يحيى بن محمود الواسطي، نُشرت في 1236-1237.
© بإذن من مكتبة فرنسا الوطنية

تحتوي معظم بقايا لفافات العمائم في مجموعات المتاحف اليوم على الشراشيب، مثل هذا المثال من أحد رسوم القرن الرابع عشر والذي يُظهر الشراشيب متدلية من الذؤابة. هناك أيضًا العديد من بقايا الثياب المُزررة (وليست المفتوحة) مثل تلك التي يرتديها الشاب في هذه الصورة. مقامات الحريري لأبي محمد القاسم بن علي الحريري، نسخ هذه النسخة ورسمها يحيى بن محمود الواسطي، نُشرت في 1236-1237.
© بإذن من مكتبة فرنسا الوطنية

عند الخروج من المنزل، ترتدي المرأة الإزار فوق ثوبها والخف. ولابد أنها كانت ترتدي سروالًا طويلًا تحت ملابسها تثبته تِكة (رباط). رسم من مقامات الحريري، لأبي محمد القاسم بن علي الحريري، الناسخ والرسام مجهول، نُشرت في القرن الثالث عشر تقريبًا.
© بإذن من مكتبة فرنسا الوطنية
جيليان فوجلسانج-ايستوود
مدير مركز أبحاث النسيج في مدينة ليدن بهولندا ومتخصصة في الأزياء والنسيج بالشرق الأوسط. عملت لسنوات عديدة كعالمة نسيج أثري في مصر، وهي مؤلفة ومحررة للعديد من الكتابات الموسوعية الشهيرة من ضمنها "الملابس المصرية 1 ،) القديمة" )بريل، 39 "وموسوعة التطريز من العالم العربي" )بلومزبري الأكاديمية، 016(، وغيرها. 2